إسرائيل أمام التوازن الهش لسنا وحدنا في سوريا المشرق العربي يحيى دبوق الإثنين 21 تموز 2025 رسم المسارات الكبرى يبقى في
إسرائيل أمام التوازن الهش: لسنا وحدنا في سوريا
المشرق العربي
يحيى دبوق
الإثنين 21 تموز 2025
رسم المسارات الكبرى يبقى في أيدي الأميركيين، الذين يقرّرون ما يَرَونه مفيداً لأمن إسرائيل ومصالحها (أ ف ب)
لم يجرِ التدخل العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري، وفق رؤى استراتيجية واضحة، بل جاء نتيجة قرار اتُّخذ تحت تأثير عوامل مختلفة، بعضها آنيّ ومرتبط بردّ فعلٍ مباشر على أحداث ميدانية أثارت الرأي العام الإسرائيلي، خصوصاً في أوساط المجتمع الدرزي، وبعضها الآخر متّصل بحسابات أوسع، تحدّد سقف تحركات إسرائيل وأفعالها. وفي ما يتصل بهذا العامل الأخير، تبرز تحديداً المقاربة الأميركية، التي ترى في الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، لاعباً محوريّاً في عملية تشكيل سوريا الجديدة الموحّدة، وإدخالها في تسوية مستقبلية على مستوى الإقليم، تراعي مصالح واشنطن الأوسع في المنطقة.
لكن ذلك لا يعني على أيّ حال أن التحرّك الإسرائيلي كان بلا تأثير، على الرغم من كون طابعه لحظويّاً وموضعيّاً، بل وتكتيكيّاً أكثر من كونه استراتيجياً، فضلاً عن أن من شأنه أن يحبس إسرائيل في مواجهات محلّية محدودة، من دون أن يفتح لها الطريق أمام لعب الدور الأكبر في بلورة مستقبل سوريا الجديدة. ويعني ما تقدّم، أن مهمّة رسم المسارات الكبرى وتحديد التحالفات، تبقى في أيدي الأميركيين، الذين يقرّرون هم ما يَرَونه مفيداً لأمن إسرائيل ومصالحها.
ولذا، فإن التحرّك العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري، لم يكن سوى جزء من هذه الاستراتيجية، وتحت سقفها، وذلك بهدف تمهيد الطريق أمام الشرع لإعادة بسط سيطرة الدولة في مناطق كانت خارج نطاق النفوذ المركزي. وإذ يبدو أكيداً أن خطوة بهذا الحجم لا تبدو محتملة من دون موافقةٍ، أو على الأقلّ تغاضٍ أميركي، فإن ما شوّش عليها هو كونها جاءت مُتسرّعة ومشوبة بالتجاوزات التي ارتكبتها فصائل موالية للسلطة.
هكذا، راهن الشرع على أن إسرائيل لن تردّ بقوّة على أي حملة في الجنوب، طالما أن التحرّك يجري تحت المظلّة الأميركية. غير أن ما دفع تل أبيب إلى الردّ ليس هو التحرّك في ذاته، بل طريقة تنفيذه العشوائية والانتقامية ضد الدروز، والتي تجاوزت الحسابات السياسية والضوابط التي كان يُفترض أن تحدّد طبيعته. وبالفعل، برزت مؤشرات، في الأيام الأولى، إلى أن إسرائيل تقبّلت الحملة الحكومية أو تغاضت عنها، وربّما رأت فيها فرصة لفتح باب التعايش مع النظام الجديد، ومن ثم تحقيق مصالحها على مستويات أوسع من دائرة ضيقة في الجنوب السوري. وبدا ذلك واضحاً من الصمت الإسرائيلي المبدئي، وحتى التصريحات المدروسة التي حاولت تجنّب التصعيد، الأمر الذي أظهر كما لو أن هناك اتّفاقاً مسبقاً بين الجانبَين. إلا أن أداء القوات التابعة للشرع، والذي استثار غضبة في الأوساط الدرزية في إسرائيل، هو ما دفع الأخيرة إلى شنّ حملة مضادة.
وفي اليومين الأخيرين، وجد الشرع مخرجاً في أخطاء ارتكبتها فصائل درزية، حين قرّرت الردّ على اعتداءات سابقة، بتنفيذ عمليات انتقامية طاولت عشائر بدوية، وهو ما منح السلطة فرصة ذهبية لتحويل مجرى الأمور: من مواجهة بين النظام والمجموعات الدرزية، إلى مواجهة بين العشائر البدوية والدروز في الجنوب السوري. وعلى النحو المتقدّم، حوّل الشرع نفسه إلى وسيط إجباري و»مخلّص» يتدخّل لفضّ الاشتباك ووقف تدهور الأمور.
من وجهة نظر إسرائيل، كان هذا التحوّل مؤشراً واضحاً إلى حدود تأثيرها في الملف السوري. ففي ظلّ الإصرار الأميركي على دعم الشرع، ورفْض أيّ تدخّل إسرائيلي واسع قد يُعيد تفكيك المشهد أو يُعطّل التسوية الإقليمية، لم تجد تل أبيب مفراً من القبول «المُرّ» بتدخّل القوات الحكومية في المناطق الدرزية، وإنْ تحت عنوان فضّ الاشتباك بين الدروز والبدو.
وبالنتيجة، كشف التصعيد الأخير حالة التوازن الهشّ الذي تعيشه إسرائيل في الملفّ السوري، لناحية القرارات والأهداف والإمكانات الفعلية. فهي وإنْ كانت تمتلك القوّة العسكرية للردّ، لكنها تفتقر إلى القدرة السياسية والدبلوماسية لإعادة ترتيب المشهد وفق رؤيتها. وفي ظلّ الأولوية الأميركية للاستقرار الإقليمي، ولو على حساب التفاصيل الدقيقة، تبقى إسرائيل حاضرة في الحدث، لكن غائبة عن رسم المستقبل، أقلّه إلى الآن.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها